خطة ترامب للسلام العقيمة والنهاية المجهولة للحرب
ملخص: كانت خطة ترامب للسلام العقیمة، المعروفة باسم "صفقة القرن"، محاولة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد تعرضت الخطة لانتقادات واسعة لفشلها في تلبية حقوق ومطالب الفلسطينيين ودعمها الأحادي الجانب لإسرائيل. وبينما كان الهدف من الخطة إنهاء الحرب والتوترات المستمرة في المنطقة، إلا أنها فاقمت الانقسامات والمظالم والنتيجة النهائية هي نهاية مجهولة للحرب وأزمة إنسانية مستمرة في فلسطين وإسرائيل.
الکاتب: عابد حسین بارکزهي
بعد لقاء بعض القادة العرب والمسلمين بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هامش قمة الأمم المتحدة، وتعبير الحلفاء الغربيين عن قلقهم إزاء عدوان النظام الصهيوني على غزة، واستمرار العمليات العسكرية البرية في المنطقة، والقتل اليومي والمجاعة التي يعاني منها الفلسطينيون، قررت الولايات المتحدة اغتنام الفرصة، وبصفتها "منقذ شعب غزة"، كشفت عن مسرحية جديدة تُسمى "خطة ترامب للسلام المكونة من 20 مادة" لإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين في غزة. ونظرًا للكراهية العالمية للإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة، فإن دونالد ترامب، بصفته "الشخصية المميزة"، يسعى، من خلال طرح خطة سلام إسرائيلية أمريكية لإنهاء الحرب في غزة، إلى تحويل إخفاقات النظام الصهيوني المتتالية في تحقيق أهدافه الأساسية في الحرب، وهي إطلاق سراح الرهائن وتدمير حماس، إلى نتيجة مرغوبة لهذا النظام بطريقة شریفة.
أسباب الفشل المحتمل لخطة ترامب
من أهم أسباب الفشل المحتمل لخطة ترامب البند الذي يطلب من حماس تسليم أسلحتها وتدمير جميع أنفاقها وقواعدها العسكرية في غزة تحت إشراف الكيان الصهيوني. من الطبيعي ألا توقع أي جهة على انسحابها بنفسها، ولن تقبل أي من فصائل المقاومة، بما فيها حماس، بسحب أسلحتها وتسليمها وتسليمها.
السبب الآخر هو أن ترامب في هذه الخطة يطلب من حماس إطلاق سراح جميع أسرى الكيان الصهيوني دفعةً واحدةً خلال 72 ساعةً من وقف إطلاق النار. إذا أطلقت حماس سراحهم، فما الضمانات لانسحاب الكيان الصهيوني من غزة؟ لذلك، من المستحيل أن تكون فصائل المقاومة في غزة مستعدةً لإطلاق سراح جميع الأسرى وتسليمهم للكيان الصهيوني قبل انسحاب إسرائيل من قطاع غزة. إن إدراج مثل هذه الشروط يُشير إلى أن خطة السلام لم تكتمل بعد.
إن اشتراط عدم مشاركة حماس والسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار سيكون أيضًا أحد أسباب رفض الفلسطينيين للخطة. على الرغم من أن حماس قد قبلت سابقًا عدم المشاركة في إدارة غزة بعد المصالحة، إلا أنها أعلنت استعدادها لتسليم قيادة إدارة غزة بعد الحرب للسلطة الفلسطينية فقط، وليس لترامب وتوني بلير، إلخ. لذلك، فإن قبول مثل هذا الشرط لن يكون مقبولًا لا من السلطة الفلسطينية ولا من حماس.
تنص الخطة على أن الإدارة الأمنية والعسكرية لقطاع غزة بعد المصالحة ستكون من مسؤولية النظام الصهيوني، وهو أمر لن توافق عليه أي من الفصائل الفلسطينية أو حتى السلطة الفلسطينية بطبيعة الحال.
كما تنص الخطة على أن الإدارة المستقبلية لغزة ستتم في عملية تتراوح من عام إلى ثلاثة أعوام من قبل مجموعة من التكنوقراط الفلسطينيين والدول العربية بتوجيه وإشراف توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، ودونالد ترامب. ومن ثم فإن عدم مشاركة أي فصيل فلسطيني، أو حتى السلطة الفلسطينية، في الإدارة المستقبلية لغزة لن يكون مقبولاً لدى الفلسطينيين بأي حال من الأحوال.
لا تذكر هذه الخطة أي مستقبل لقيام دولة فلسطينية، مما يُنذر بمستقبل قاتم للفلسطينيين. لذا، فإن احتمال قبول حماس وفصائل المقاومة الفاعلة في غزة لهذه الخطة يكاد يكون معدومًا.
إن أي خطة سلام لا تُراعي أي دور للفلسطينيين وفصائل المقاومة والسلطة الفلسطينية كطرف ثانٍ في الصراع ستكون خطة عقيمة وبلا معنى. هذه الخطة منحازة تمامًا وتصب في صالح أهداف إسرائيل والولايات المتحدة؛ لذا، فإن فشلها واضح وجلي منذ البداية.
السيناريوهات المحتملة لتنفيذ الخطة
السيناريو الأول: ستكون هذه الخطة بمثابة ضوء أخضر وتفويض مفتوح من الولايات المتحدة لدعم نتنياهو في تكثيف الهجمات ومواصلة تجويع وتشريد سكان غزة من أرضهم. في هذا السيناريو يحاول ترامب أنه إذا لم تقبل حماس بهذه الخطة - وهو أمر محتمل جداً- فإن الحرب والقتل سوف يستمران، وبالتدريج، بعد تدمير حماس، سوف يأخذ غزة من أيدي الفلسطينيين لصالح شركات عقارية أميركية ويتولى إدارتها بحجة إعادة إعمار غزة، من دون مشاركة الفلسطينيين.
السيناريو الثاني هو أن يستمع ترامب لنصائح دول مثل تركيا وباكستان وقطر ويُجري تعديلات على الخطة؛ أي أنه سيُعدّلها ويُكيّفها لتكون مقبولة لدى الفلسطينيين وفصائل المقاومة؛ ومن المرجح أن تُقابل هذه الخطوة برد فعل سلبي من نتنياهو وحكومته المتطرفة.
ولكن إذا استطاع ترامب حل هذه المعادلة والتخلي عن الأحادية، فسيُصبح منقذًا لشعب غزة، ويفوز بجائزة نوبل للسلام، ويُنهي، كما يقول هو نفسه، هذه الحرب المستمرة منذ عقود إلى الأبد.
بطرحه هذه الخطة المنحازة، يسعى ترامب إلى دعم إسرائيل، وطمأنة أنصار الفلسطينيين في الغرب والدول العربية والإسلامية، وأصدقائه في الشرق الأوسط، بأن حماس هي التي ترفض خطط السلام، ولهذا السبب تطول هذه الحرب، ولن يتوقف القتل. ويشير إعلان نتنياهو عن القبول الفوري للخطة إلى تنسيق خلف الكواليس بين الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل احتلال طويل الأمد لقطاع غزة وطرد الفلسطينيين منه، حتى تتمكن إسرائيل في نهاية المطاف من ضم غزة.
خلال العامين الماضيين، قتل النظام الصهيوني أكثر من 65 ألف شخص، وشرد وجوع وشرّد أكثر من 2.5 مليون شخص من سكان هذا القطاع بسلاح الإبادة الجماعية، وارتكب جرائم حرب عديدة، تاركًا وصمة عار على جبين الإنسانية والقانون الدولي نادرًا ما شهدها التاريخ.
إن ما يُرى من ظاهر هذه الخطة -وإن لم تُجرَ عليها أي تغييرات أو تعديلات- سيُشعل على الأرجح نيران الحرب أكثر من ذي قبل، وسيُكثّف آلة الحرب الصهيونية لتدمير غزة بالكامل وتسريع تهجير الفلسطينيين بسلاح المجاعة.
ومنذ البداية، يُشير رفض وإدانة حركة الجهاد الإسلامي للخطة وطلب حماس إدخال تغييرات عليها إلى عدم رغبة الفصائل الفلسطينية في قبول خطة ترامب. ورغم أن بعض الدول الغربية والعربية والإسلامية أيدت خطة ترامب للسلام، إلا أن الأمور تسير في اتجاه أنه إذا لم يتم إجراء تغييرات جذرية على الخطة، فإن هناك احتمالا كبيرا أنها لن تنجح، ونتيجة لذلك، فإن الحرب والقتل سوف يستمران.

الآراء